ملحمة جلجامش من أبرز أساطير بلاد الرافدين و من أجمل الأساطير البشرية على الاطلاق ... فهي مزاج من المغامرة
الخالصة و الأخلاقيات والمأساة. .
الا أن القصة التي ترويها هذه الملحمة قد لا تكون أسطورية في جميع تفاصيلها , فهي تصور البطل ملكا على مدينة أ وروك " العراق "
وبالفعل كان هناك ملكا عليها يسمى جلجامش ولعل مغامراته بعد أن ضخمتها الأساطير , هي منشأ الملحمة .. ............
يبقى بطلها جلجامش أقرب الأبطال الى نفوسنا , كما أنه النموذج الأكثر تمثيلا للانسان في سعيه الى الحياة والفهم . و مازالت هذه الأسطورة
حتى الآن تجذبنا ونحن في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد وهي التي تعود الى الألف الثالث قبل الميلاد !!.
رغم تسمية هذه الملحمة باسم ذلك البطل " جلجامش " الا أن البطولة يشترك فيها جميع شخصيات هذه الملحمة ولعل أهمهم " أنكيدو " خصمه
اللدود الذي تحول الى الرفيق والصديق الحميم لجلجامش
ولولا ذلك الرفيق لما كانت الملحمة أصلا , فهو المحرك و المحرض الأساسي لبحث جلجامش عن الخلود بعد موته .
أتت الصداقة الحميمة بين جلجامش وأنكيدو بعد صراع بينهما فذلك التناقض بينهما عمل لصالح الصداقة التي ربطت بينهما وجعلتهما يتمسكان بروح النضال ضد
ماهو دنئ وغير لائق , ومجدا النضال من أجل الحرية وعدم الخوف لتحقيق ما هو سامي ومنير :
" كل ما هو شرير نزيحه من العالم
يا صديقي , من يسقط في المعركة هو الخالد "
فيتوجه الصديقان الى غابة الأرز و ربما يقصد بها جبال لبنان , فيقضيان على حارسها المخيف " خمبابا " بمساعدة الاله " شمش " الذي أرسل الرياح التي شلت
حركته وبعد ذلك يقضيان على " ثور السماء " الذي أرسلته عشتار ليقتل جلجامش , بسبب عزوفه عنها وتذكيرها بضحاياها الذين أحبتهم أو حاولت ذلك :
"يمضي جلجامش متباهيا بقدرته على قتل الثور السماوي
نحن الذين بقبضتنا انتصرنا على الثور السماوي "وتتفق الآلهة بعد مشاورات على موت أنكيدو عقابا على قتل ثور السماء , وبموته يصبح جلجامش وحيدا
بعد أن ذاق طعم الصداقة الحميمة فبدأ يشعر بمأساة الوجود و لا معقولية الحياة كانسان مصيره الى الفناء , فبكى صديقه :
" بكيته طوال النهار وطوال الليل
ورفضت الاذن بدفنه
فلعل رفيقي ينهض لصراخي.."
وهنا بدأ يتساءل طويلا : " هل سأموت هكذا ميتة أنكيدو.........هل يمكن للميت رؤية بريق الشمس ؟ "
وبدأ جلجامش بعد ذلك رحلته في البحث عن الخلود , حتى التقى " أوتنابشتيم " ذلك الرجل الذي أنقذ مدينته " نيبور " من الطوفان العظيم , فأرشده الرجل
الى نبتة الخلود فقرر جلجامش أن يجلبها الى أبناء مدينته أوروك ليشركهم معه في الخلود ,
وهنا تبرز صورة الخلود الجماعي في هذه الملحمة الفردية ..........
فتأتي الأفعى وتلتهم نبتة الخلود .....
في نهاية القصة يدرك جلجامش أننا نحصل على الخلود بالعمل الجاد والصادق ...... فالبطل الذي أصابه الاخفاق في بحثه عن الخلود الشخصي أو الجماعي
يشير الى أسوار مدينته أوروك والتي من ابداع يديه وابداع أجداده السبعة .
" اصعد الى أسوار أوروك
امش عليها.....
تفحص الأساس في القواعد ....
امتحن الآجر في البنية والمصاعد....
ألم يضع أساسها في غابر العصور السبعة الحكماء ؟
هم الذين علموا الانسان منذ أقاموا أقدم المدائن السبع وأسسوا العمران . "